في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، مستهدفةً كافة مناحي الحياة الفلسطينية، ومن بينها القطاع الرياضي الذي يمثل جزءاً مهماً من هوية الشعب الفلسطيني وآماله المستقبلية. لم تكن حرب الإبادة مجرد حرب تقليدية، بل كانت إبادة ممنهجة تستهدف تدمير كافة مقومات الحياة الفلسطينية وهويتها، بما في ذلك أحلام شبابه في ممارسة الرياضة والتفوق فيها. ومنذ اليوم الأول لهذه الحرب، كانت المنشآت الرياضية في غزة والضفة الغربية هدفًا رئيسيًا للإبادة، حيث دُمِرَت 265 منشأة رياضية، بما في ذلك ملاعب كرة القدم، مراكز التدريب، الصالات الرياضية، وكذلك مقر اللجنة الأولمبية الفلسطينية، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة وغيرها من المقار الرياضية.
هذه الحرب لم تقتصر على الدمار المادي للمنشآت، بل شملت أيضًا فقدان أكثر من 560 رياضيًا فلسطينيًا لحياتهم، بينهم لاعبين وحكام ومدربين، هؤلاء الذين لم يكونوا مجرد أرقام في تقارير إحصائية، بل كانوا زملاء في الفرق الرياضية، معلمين، وأصدقاء لرياضيين آخرين وممثلين عن دولة فلسطين في العديد من المحافل الرياضية والدولية. فكل شهيد كان يمثل حلمًا تم اغتياله، وكانت كل حياة تم فقدانها تمثل جزءًا من الروح الرياضية التي تعزز الهوية الوطنية الفلسطينية. من بين هؤلاء الشهداء، كان هناك لاعبين أطفال كانت أحلامهم الرياضية كبيرة مثل الشهيدة سوار المدهون، بطلة كرة السلة، التي استشهدت باستهداف مباشر لمنزل عائلتها، بالإضافة إلى لاعبي المنتخب الوطني الفلسطيني حسن زعيتر وإبراهيم قصيعة، الذين كانوا يمثلون طموحات وآمال الشباب الفلسطيني في كرة الطائرة، وغيرهم الكثير.
تاريخ استهداف الرياضة الفلسطينية
منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في عام 1967، لم تكن الرياضة الفلسطينية بعيدة عن سياسة التدمير الممنهج التي فرضتها إسرائيل على مختلف القطاعات الفلسطينية. الرياضة، التي كانت دائمًا مصدرًا للوحدة الوطنية والأمل، كانت أحد الأهداف الرئيسية في سلسلة الهجمات العسكرية على القطاعين. ففي فخلال الانتفاضات الفلسطينية المتتالية والحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، كانت المنشآت الرياضية الفلسطينية تُستهدف بشكل متكرر، حيث تم تدمير العديد من الملاعب الرياضية، مراكز التدريب، وأماكن تجمع الرياضيين. وقد كانت هذه الهجمات جزءًا من سياسة تهدف إلى إضعاف القدرة الفلسطينية على الصمود من خلال تجريدها من أدوات التنمية الثقافية والاجتماعية، من بينها الرياضة التي كانت تمثل مجالًا حيويًا للمجتمع الفلسطيني. وفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) في عام 2018، فإن الاستهداف الممنهج للبنية الرياضية أصبح أحد أبرز سمات الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية، ما أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة رياضية في العقدين الأخيرين.
تدمير المنشآت الرياضية وتحويلها لمراكز اعتقال
من ضمن الاستهدافات التي طالما تعرض لها القطاع الرياضي الفلسطيني، كان تدمير المنشآت الرياضية وتغيير استخداماتها. ففي العديد من الحالات، تم تحويل الملاعب الرياضية إلى مراكز اعتقال وتحقيق، مثلما حدث في ملعب اليرموك وملعب فلسطين، اللذين كانا يعدان من أبرز المنشآت الرياضية في غزة. وكذلك ملعب مخيم الفوار في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
فمن خلال هذه العمليات، كانت إسرائيل تهدف إلى تجريد الرياضيين من أماكن ممارسة رياضاتهم، وبالتالي تعطيل حياتهم اليومية وتعطيل النشاط الرياضي في قطاع غزة بشكل كامل، مما أثر سلبًا على تطور الحركة الرياضية للفلسطينيين.
قتل أحلام الرياضيين الأطفال والشباب
العدوان الإسرائيلي لم يكن يقتصر على تدمير المنشآت فقط، بل شمل أيضًا استهداف الرياضيين أنفسهم، سواء من خلال القتل المباشر أو الإصابة البالغة أو الاعتقال. فقد استُشهِد أكثر من 560 رياضيًا فلسطينيًا، بينهم لاعبين، حكام ومدربون، بينما أصيب العشرات بجروح خطيرة، وتعرض عدد آخر للاعتقال. فضلاً عن ذلك، كانت هناك حالات لإصابات بليغة جعلت من العودة إلى الملاعب أمرًا مستحيلًا بالنسبة للعديد من الرياضيين، الذين تم تدمير أحلامهم الرياضية بشكل تام.
استهداف الرياضة كان من محاور الإبادة الإسرائيلية لقطاع غزة
استهداف الرياضة في غزة لم يكن مجرد رد فعل على المقاومة الفلسطينية، بل كان جزءًا من سياسة شاملة تهدف إلى إبادة كل ما يشكل جزءًا من الهوية الفلسطينية. في 2023، أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرًا مفصلاً حول الحروب الإسرائيلية على غزة، موضحة أن "الرياضة كانت أحد محاور الهجوم المتعمد" ضمن استراتيجية أوسع لإضعاف المجتمع الفلسطيني، وتدمير مقومات الحياة. التقرير أكد أن الهجمات على المنشآت الرياضية والرياضيين كانت جزءًا من خطة لوقف أي أمل في بناء مجتمع رياضي فلسطيني، الذي يمثل عنصرًا أساسيًا في نضال الفلسطينيين. وأكدت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" أن الرياضة كانت مستهدفة بشكل مباشر باعتبارها مجالًا يعزز الروح الوطنية ويقوي من قدرة المجتمع الفلسطيني على مقاومة الاحتلال.