تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

قال مارتن لوثر كينغ في إحدى أشهر الخطب في التاريخ: "I have a dream"، وحمل بطل ألعاب القوى بلال هذه المقولة في قلبه وعقله 30 عاماً، قبل أن توقف آلة القتل مسيرته وتحطم حلم الرياضي الشاب بلال أبو سمعان الذي جاب الدول العربية والآسيوية حاملاً علم بلده، طائفاً في مضمار ألعاب القوى لاعباً ثم مدرباً، متسلحاً بالطموح والشغف، ومتمسكاً بحلم لم يكن مجرد ميداليات وإنجازات، بل أيضاً رسالة أمل وإلهام لجيل جديد. وقد كان يرى في كل سباق خطوة نحو مستقبل مشرق، وفي كل تدريب فرصة لزرع روح التحدي في نفوس الشباب، لكنّ قذيفة سوداء غادرة كانت أسرع من خطواته، توقفت بعدها قدماه عن الجري، بينما اسمه لا يزال محفوراً في ذاكرة الرياضة كبطل لم يمت، إنما عبر خط النهاية إلى الخلود.

في مدينة غزة سنة 1992، بدأت رحلة الشاب الرياضي المثابر بلال عندما خطت قدماه الملاعب منذ طفولته حالماً بالوصول من المدرسة إلى المحلية ثم العربية وصولاً إلى العالمية عبر مضمار ألعاب القوى، فتدرّج عبر الفئات السنية من المدارس إلى الأندية المحلية حتى أصبح لاعباً في ميادين السباق، يتسارع بين زملائه يوماً بعد يوم لتحقيق لقب وميدالية وإنجاز تلو الآخر.

 

 

ولم يكن مضمار ألعاب القوى الوحيد لحلم بلال، بل أيضاً كان يتسابق في مقاعد الدراسة بحثاً عن التفوق والنجاح، فدرس الثانوية العامة في مدرسة أبو ذر الغفاري، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في التربية الرياضية في جامعة الأقصى، متفوقاً في الشقَين العملي والنظري، داخل المجال الذي أخذ جزءاً كبيراً من اهتماماته ووقته لهدف واحد، وهو النجاح.

شارك بلال في مئات المسابقات المحلية كنجم في مضمار ألعاب القوى، حتى أصبح يمثل فلسطين عربياً في البطولات الموسمية، وأبرزها الدورة الأولمبية الدولية لسفراء الألعاب الأولمبية الشباب في مدينة بينيكس الأثرية سنة 2022، كما مثّل فلسطين في دورة الألعاب العربية في الجزائر سنة 2023، والبطولة العربية العشرين لاختراق الضاحية في الشيخ.

وبعد رحلة مميزة في سباقات ألعاب القوى، اتجه بلال إلى الجانب التدريبي والأكاديمي، فأصبح معلماً للتربية الرياضية في المدرسة الأميركية في مدينة غزة سنة 2021 حتى تاريخ استشهاده، صانعاً البسمة والفرح على شفاه الطلبة الذين كانوا يعتبرونه ملهماً لهم في طفولتهم ومسارهم. وبعدها تم اختياره ليكون مدرباً لمنتخب فلسطين لألعاب القوى في غزة في فئة المسابقات المتوسطة، فبدأ رحلة جديدة من الإبداع والنجاحات عبر تدريب أبطال ألعاب القوى، ولا سيما تدريب الناشئين والشباب على مدار الساعة وبأقل الإمكانات، حاملاً اسم فلسطين في قلبه، وساعياً لكتابة أرقام مشرّفة تسجَل في مضمار ألعاب القوى الآسيوي والعالمي.

 

 

ثم بدأت الحرب في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ونزح بلال وعائلته من مناطق الشمال نحو الجنوب، كحال مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة، وعلى الرغم من نزوحه، فإنه لم يتوانَ عن المبادرة في الميدان الإنساني متواجداً على مدار الأيام الصعبة في مساعدة الناس والنازحين والمكلومين في مدينة خان يونس، المكان الذي نزح إليه.

وفي 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، همّ بلال كعادته بمساعدة الناس بعد القصف في محيط المنطقة التي نزح إليها، وفي أثناء توجهه لإجلاء بعض المصابين بالقرب من منزله، استهدفته قذيفة إسرائيلية غادرة ارتقى في إثرها شهيداً ببدلته الرياضية التي تحولت من الأبيض إلى الأحمر، وكانت شاهدة على إحدى آلاف الجرائم الرياضية بحق الرياضة والرياضيين.

إن استشهاد بلال خسارة كبيرة للرياضة الفلسطينية ولألعاب القوى بصورة خاصة، وهذا ما قاله د. تامر العبسي، نائب رئيس اتحاد ألعاب القوى، عن نجم التدريب في ألعاب القوى.

وأضاف:" خسارة بلال غير عادية، وهي صدمة كبيرة لمنظومة ألعاب القوى، ومن الصعب أن تجد مدرباً رياضياً يسخّر كل الوقت لخدمة اللاعبين والسعي نحو تطويرهم لتحقيق أرقام وأزمنة جديدة. كان بلال يحرص على تدريب اللاعبين منذ ساعات الفجر الأولى، مهتماً بكل التفاصيل، حتى وصل الأمر إلى استضافة اللاعبين على موائد الغذاء في بيته الخاص. وكان لديه حلم بتحقيق أزمنة فلسطينية جديدة مع اللاعبين في المسابقات العربية والآسيوية، بالإضافة إلى حلمه الكبير في المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية كمدرب فلسطيني، لكن الاحتلال قتل حلمه في الحرب الأخيرة."

إن دماء بلال تعري اليوم ازدواجية المعايير في تطبيق الميثاق الأولمبي الدولي، والذي يتضمن المبادئ الأساسية الهادفة إلى حماية الرياضيين وضمان بيئة رياضية عادلة وخالية من التمييز أو الإساءة، بالإضافة إلى حمايتهم من أشكال التمييز أو الإساءة أو المضايقات، سواء على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو الرأي السياسي أو أي عامل آخر.

لم يحظَ بلال بامتيازات الميثاق المطبَق بحزم في كل أرجاء العالم، إنما سار تائهاً وهارباً ونازحاً من مدينة إلى أُخرى، ومن قصف إلى آخر من دون الحصول على حصانة حماية الرياضيين التي يتمتع بها ملايين الرياضيين عبر العالم، دوناً عن غزة.

Content source site
publication year
2025
promoted_image
Paper's Language